منتديات الدولار العربى - الصحيفة الإلكترونية التى هزت عرش النخبة السياسية في فرنسا

http://www.al-iqtisad.net/bo/img/eur/1344486906.jpg

في الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، يكافح لإخراج حكومته الاشتراكية من أوحال فضيحة الاحتيال على الضرائب، كان هناك رجل واحد يراقب المشهد بنوع من الرضا الكئيب. إنه إدوي بلينيل، صحافي التحقيقات المخضرم في الصحافة الفرنسية.

الخبر الذي ورد في "ميديا بارت"، الموقع التابع لبلينيل، الذي مفاده أن وزير الميزانية المسؤول عن مكافحة التهرب الضريبي هو نفسه يمتلك حسابا مصرفيا سريا في سويسرا، كان آخر سبق صحافي في سلسلة من هذا النوع تكشف النقاب عن الأخطاء الحكومية، ظل بلينيل الذي كان من أتباع تروتسكي المتشددين، يعمل على كشفها على مدى 30 عاماً.

كان الإحساس بالانتصار يشع في بعض الأحيان من بلينيل، ذي الشارب العشبي الكثيف والشعر الغامق والابتسامة الشامتة، الذي أصبح مشهورا على نطاق واسع منذ اعتراف جيروم تشوزاك هذا الشهر بأن نفيه المتكرر لادعاءات "ميديا بارت"، التي نشرت أول مرة في كانون الأول (ديسمبر)، كان "سلسلة متصاعدة من الأكاذيب".

وقال رئيس التحرير السابق لصحيفة "لوموند" في مقابلة تلفزيونية أجريت معه هذا الأسبوع: "لو أعلنت "ميديا بارت" أن السماء ستمطر غدا، فسيخرج كل شخص حاملاً في يده مظلة". ويمكن أن نعذر بلينيل على إحساسه بالنصر، لأن هولاند ووزراءه وحتى كبار الشخصيات في حزب يمين الوسط المعارض التفوا حول تشوزاك في الأشهر السابقة للاعتراف العجيب الذي أدلى به الوزير السابق.

وفي مقابلة أجرتها "فاينانشيال تايمز" عبر الهاتف، قال بلينيل الذي كان يحضر مؤتمراً في نيويورك: "أنا لا أحب كلمة الانتصار. أفضل القول إن قضية تشوزاك عبارة عن عرض يبين ضعف الديمقراطية في فرنسا والافتقار إلى ثقافة المعارضة. وعلينا أن نقاتل لإثبات روايتنا. ولولا الدور الذي قامت به ميديا بارت الصغيرة لكان الفوز من نصيب الكذابين، وهذا ليس أمراً جيداً".

وتقول سيلفي كاوفمان، وهي نفسها محررة سابقة في صحيفة "لوموند" وزميلة سابقة لبلينيل: "إنه مؤمن حقيقي بالصحافة، وهو يعتقد أن الصحافة تستطيع أن تحقق الكثير. لكن ذلك يعني أنه رجل له رسالة. إنه أحد النشطاء.
وخلفيته بوصفه مقاتل من أنصار تروتسكي هي بالتأكيد عامل مؤثر في هذا الخصوص". وبدأ الرجل البالغ من العمر 60 عاماً عمله الصحافي في أواسط السبعينيات في صحيفة "روج"، وهي صحيفة ثورية شيوعية. وقام بعد ذلك بتأليف كتاب بوصفه ناشطا تروتسكيا. وهو يقول: "لم أُخْفِ حقيقتي قط حين كنت شاباً".

وأسس بلينيل سمعته باعتباره أقوى الصحافيين المختصين في التحقيقات الصحافية في فرنسا من خلال عمله على مدى 25 عاماً في صحيفة "لوموند"، أبرز الصحف الفرنسية التقليدية الجريئة.

وهو الذي ساعد من خلال صدامه مع حكومة فرانسوا ميتران، الرئيس الفرنسي الأسبق، في الكشف عن المؤامرة التي قام فيها عدد من العملاء الفرنسيين بنسف السفينة رينبو ووريور، التابعة لجماعة السلام الأخضر، التي كانت تتظاهر ضد التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادي في نيوزيلندا عام 1985. وكشف كذلك عن إزعاج السلطات للصحافيين في ذلك الوقت، بمن فيهم هو نفسه.
وكانت هناك سقطة سيئة في مسيرته حدثت عندما كتب تقريراً في عام 1991 ذكر فيه خطأً أن الجنرال مانويل نورييجا، حاكم بنما الأسبق، موَّل سراً الحزب الشيوعي الفرنسي بأموال المخدرات. وكانت القصة معتمدة على رسائل ملفقة لم يتحقق منها بلينيل بطريقة ملائمة.

وعلى الرغم من ذلك، برز ليكون رئيس تحرير صحيفة "لوموند"، لكنه ترك هذا المنصب في عام 2004 بعد جدال قبيح حول أسلوبه في قيادة الصحيفة – اتهمه البعض بأنه متسلط – وبعد أن فقد الحظوة لدى مديري الصحيفة في ذلك الوقت.

وفي عام 2008 اشترك بلينيل مع ثلاثة مؤسسين مشاركين في إنشاء موقع ميديا بارت، ليكون صحيفة إلكترونية مستقلة على الإنترنت، بأنموذج أعمال يعتمد كلياً على الاشتراكات، كما أن موقع الصحيفة التي توظف 30 صحافياً، لا ينشر أي إعلانات. ومع هذا حققت "ميديا بارت" أرباحاً في العامين الماضيين بوجود 65 ألف مشترك.

وأعطت هذه الصحيفة بلينيل وزملاءه المنصة اللازمة للاستمرار في حملته. وتعرضت "ميديا بارت" لهجمات شديدة من حكومة الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، عندما كشفت عن بعض الادعاءات المدمرة واتهمت نظامه بالفساد
وهي اتهامات نفاها ساركوزي بشدة. ومن هذه الاتهامات أن ساركوزي وصحبه قاموا بالتنصت على ليليان بيتينكور، وريثة ثروة لوريال البالغة من العمر 90 عاماً، بهدف الحصول على تمويل للحملة الانتخابية بطريقة غير شرعية. ويخضع ساركوزي الآن لتحقيق رسمي في قضية أثارتها المعلومات التي كشفت "ميديا بارت" النقاب عنها.

وتضمنت مقالات أخرى التي نشرتها صحيفة بلينيل الإلكترونية ادعاءات، تم نفيها مرة أخرى بشدة، بأن ساركوزي تلقى سراً أموالاً لتمويل حملته الانتخابية من نظام الدكتاتور الليبي السابق معمر القذافي.

ويقول بلينيل بكل وضوح: إن لديه أجندة، وإن همَّه هو الكشف عما يراه "تضامن حكم القلة" في عالم سياسي "عالق في نظام رئاسي بونابرتي". ومن خلال القتال لأجل "حق الناس في المعرفة"، يمكن أن تساعد الصحافة في الفوز "بديمقراطية أكثر حيوية".

وتَعِد ميديا بارت بنشر ادعاءات أخرى تتعلق بهؤلاء الذين يخفون ثرواتهم في الخارج، وهو موضوع يصفه بلينيل بأنه "قضية حيوية لفرنسا". وهذا أمر ينطوي على احتمالات غير مريحة بالنسبة لهولاند والسياسيين الفرنسيين الآخرين الذين لم يعتادوا على هذا النوع من الإعلام النشط. وتقول كاوفمان: "ميديا بارت لا تشبه صحافة التابلويد البريطانية، ولكنها تتسم إلى حد كبير بعقلية (أَمْسَكْتُ بك)، إنها تلعب دوراً لا تلعبه الصحف الفرنسية الأخرى".